الخميس 27 فبراير 2025 - 09:32
ممثل آية الله العظمى السيستاني في أوروبا يؤكد على أهمية التربية القرآنية في شهر رمضان

وكالة الحوزة - في إطار لقائه السنوي مع العلماء والمبلغين في المملكة المتحدة وأوروبا، أكد حجة الإسلام والمسلمين السيد مرتضى الكشميري، على أهمية التربية القرآنية في شهر رمضان المبارك، حيث شدّد على ضرورة جعل القرآن رفيقاً لدرب المؤمن ومؤنساً له، خاصة في هذا الشهر الفضيل الذي تزداد فيه فرص التقرب إلى الله تعالى من خلال تلاوة القرآن وتدبر آياته.

وكالة أنباء الحوزة - جريا على العادة السنوية التقي حجة الاسلام والمسلمين السيد مرتضى الكشميري بالعلماء والمبلغين بالمملكة المتحدة وأوروبا والذي بلغ عددهم ١٥٠ عالما ومبلغا ونقل لهم توجيهات ونصائح المرجعية العليا في النجف الاشرف، واليكم نص ما جاء في حديثه:
تتجلى نعم الله سبحانه وتعالى على هذه الأمة في حفظ معاقل العلم والإيمان، وإن من أبرز هذه المعاقل حاضرة النجف الأشرف، التي ما برحت تحتفظ بأصالتها العلمية والفكرية، وتشع بنورها على العالم الإسلامي. فهي المدينة المقدسة التي تجاور باب مدينة علم النبي (ص)، وتمتلك إرثاً عظيماً من العلم والمعرفة، إذ تحتضن بين جنباتها الحوزة العلمية، تلك المؤسسة التعليمية العريقة التي تُعد من أقدم المؤسسات الدينية في العالم. وبفضل الله ورعايته، يفد إلى هذه المدينة المقدسة اليوم قرابة اثني عشر ألف طالب من داخل العراق وخارجه، ينهلون من معين العلوم الدينية والعقائدية، ويتربون على أخلاق آهل البيت (عليهم السلام)، مصداقاً لقوله تعالى: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} (التوبة: 122).
وقد تكفلت المرجعية الدينية العليا، في إطار حرصها على توفير البيئة المناسبة لطلاب العلم، برعاية هؤلاء الطلبة وتوفير سبل العيش الكريم لهم، من السكن والطعام، بل وتجاوز الأمر إلى بناء عشرات البيوت للمعيلين منهم، ليتفرغوا لطلب العلم والتفقه في الدين.
وقد أكدت المرجعية الدينية العليا على عدة أمور أساسية لتربية المؤمنين وإصلاح المجتمع، يمكن استثمارها والاستفادة منها للوعظ والإرشاد لا سيما ونحن في ظلال الأجواء الروحانية لهذا الشهر المبارك، وتتجلى أبرز هذه التوجيهات في:
أولاً: التربية على مائدة القرآن إن الله سبحانه وتعالى قد جعل كتابه العزيز المصدر الأول للتشريع والأخلاق في الإسلام، وفيه الهداية والشفاء لما في الصدور. فما كان القرآن مجرد كتاب يُتلى، بل هو دستور حياة كامل، يرشد المؤمن في كل شؤونه، من العبادات إلى المعاملات، ومن الأخلاق إلى التشريعات.
وما أروع ما سجلته لنا سيدتنا الزهراء (عليها السلام) في خطبتها الفدكية في وصف هذا الكتاب، إذ خاطبت المسلمين - في خطاب يمتد عبر الأجيال ولا سيما لحملة العلم والدين - بقولها: " أنتم عباد الله نصب أمره ونهيه، وحملة دينه ووحيه، وأمناء الله على أنفسكم، وبلغاؤه إلى الأمم، زعيم حق له فيكم، وعهد قدمه إليكم، وبقية استخلفها عليكم: كتاب الله الناطق، والقرآن الصادق، والنور الساطع، والضياء اللامع، بينة بصائره، منكشفة سرائره، منجلية ظواهره، مغتبطة به أشياعه، قائدا إلى الرضوان أتباعه، مؤد إلى النجاة استماعه، به تنال حجج الله المنورة، وعزائمه المفسرة، ومحارمه المحذرة، وبيناته الجالية، وبراهينه الكافية، وفضائله المندوبة، ورخصه الموهوبة، وشرائعه المكتوبة… فاتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، وأطيعوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه، فإنه إنما يخشى الله من عباده العلماء." لذلك، يتوجب على المؤمن أن يجعل القرآن رفيقاً لدربه ومؤنساً له وإماماً يقتدي به ويستضيء بنوره، ولا سيما في شهر رمضان المبارك، حيث تزداد فرص التقرب إلى الله تعالى من خلال تلاوته وتدبر آياته.
ثانياً: الأخلاق النبوية وإن من أعظم ما ينبغي التأكيد عليه ضرورة التحلي بأخلاق النبي (ص) وأهل بيته الأطهار، فهم النموذج الأمثل للإنسان الكامل. وقد خلّفوا لنا كنوزاً من الأحاديث والخطب والسير التي تُعد منهجاً قويماً يُحتذى به، ولا سيما ما ورد في نهج البلاغة والصحيفة السجادية. وفي خطبة شهر رمضان التي رواها أمير المؤمنين (ع) عن النبي (ص) بيان شافٍ لما ينبغي أن يتحلى به المؤمن من خصال حميدة في هذا الشهر المبارك بل في سائر الشهور.
ثالثاً: العمل بما يُقال ومما يجدر بيانه أن من أهم صفات رجل الدين أن يكون عاملاً بما يقول، وقد أكد على هذا المعنى الإمام الصادق (ع) بقوله: "عليك بتقوى الله والورع والاجتهاد وصدق الحديث وأداء الأمانة وحسن الخلق وحسن الجوار، وكونوا دعاة إلى أنفسكم بغير ألسنتكم، وكونوا زيناً ولا تكونوا شيناً." فليس الكلام وحده كافياً، بل لا بد أن يكون رجل الدين نموذجاً حياً للإيمان والأخلاق، صادقاً في أقواله، عادلاً في أفعاله، فذلك هو أساس الثقة بينه وبين المجتمع.
رابعاً: الاهتمام بالشباب وإن مما تؤكد عليه المرجعية الدينية العليا عنايتها الخاصة بالشباب، فهم عماد الأمة ومستقبلها. وقد حذرت المرجعية من محاولات الأعداء المتكررة للتشكيك في عقائد شبابنا وإبعادهم عن دينهم. لذا، فإن من الواجب تحصين الشباب بتذكيرهم بقيم الإسلام وأخلاقه، وتعزيز إيمانهم من خلال الآيات القرآنية التي تحث على الخير والفضيلة وترغب في الطاعة والعمل الصالح لا سيما المشوقة منها التي تذكر الجنة ونعيمها.
وما أحوج شبابنا اليوم، في ظل ما يواجهونه من تحديات عبر وسائل التواصل الاجتماعي تحاول زعزعة إيمانهم وعقيدتهم وغرس الأفكار الهدامة في عقولهم، إلى رجال دين يفهمون مشاكلهم ويعيشون همومهم ويوجهونهم بالحكمة والرحمة والموعظة الحسنة.
خامساً: النزاهة والسيرة الحسنة ولعل من أبرز ما يجب أن يتحلى به رجل الدين أن يكون على أعلى درجات النزاهة والاستقامة في جميع حالاته، فإن الناس ينظرون إلى سيرته قبل كلامه. وكيف لا، والعلماء هم ورثة الأنبياء وقدوة في الصدق والأمانة والعدل.
وإن النزاهة لتعني أسلوب حياة متكامل يجب أن يتجلى في كل جوانب حياة رجل الدين، من تعامله مع الناس إلى إدارته للشؤون العامة. وما أبلغ ما ورد في الأثر من أنه "يغفر للجاهل سبعون ذنباً قبل أن يغفر للعالم ذنب واحد"، وفي ذلك إشارة جلية إلى عظم المسؤولية الملقاة على عاتق العالم.
وفي الختام، فإن المتأمل في مسيرة النجف الأشرف ليدرك بجلاء كيف بقيت هذه المدينة المقدسة منارةً تهتدي بها الأمة في ظلمات الجهل والضلال، وسداً منيعاً يصد كل محاولات النيل من الإسلام.
وما كان لهذا الدور العظيم أن يستمر لولا جهود المرجعية الدينية وأساتذة الحوزة العلمية على مر العصور في إعداد جيل من العلماء والدعاة الذين يحملون رسالة الإسلام إلى العالم بكل إخلاص وتفانٍ.
نسأل الله العلي القدير أن يحفظ هذا الصرح العلمي الشامخ ومرجعيته الرشيدة، وأن يجعلنا جميعاً من حملة رسالته السامية، شركاء في نشر العلم والإيمان، ليبقى الإسلام نبراساً للهداية إلى يوم الدين.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

سمات

تعليقك

You are replying to: .
captcha